فصل: (فَرْعٌ): (التَّعْزِيَةُ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.(فَصْلٌ): [موتُ الحاملِ]:

(وَإِنْ مَاتَتْ حَامِلٌ) بِمَنْ تُرْجَى حَيَاتُهُ (حَرُمَ شَقُّ بَطْنِهَا) مِنْ أَجْلِ الْحَمْلِ، مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ ذِمِّيَّةً، لِمَا فِيهِ مِنْ هَتْكِ حُرْمَةٍ مُتَيَقَّنَةٍ، لِإِبْقَاءِ حَيَاةٍ مَوْهُومَةٍ، إذْ الْغَالِبُ وَالظَّاهِرُ: أَنَّ الْوَلَدَ لَا يَعِيشُ. وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِ عَظْمِ الْحَيِّ» رَوَاه أَبُو دَاوُد، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ أُمِّ سَلَمَةَ، وَزَادَ: فِي الْإِثْمِ. (وَأَخْرَجَ نِسَاءٌ لَا رِجَالٌ مَنْ تُرْجَى حَيَاتُهُ)، بِأَنْ كَانَ يَتَحَرَّكُ حَرَكَةً قَوِيَّةً، وَانْتَفَخَتْ الْمَخَارِجُ، وَلَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرُ، (فَإِنْ تَعَذَّرَ) عَلَيْهِنَّ إخْرَاجُهُ (لَمْ تُدْفَنْ حَتَّى يَمُوتَ) الْحَمْلُ لِحُرْمَةٍ، وَلَا يُشَقُّ بَطْنُهَا، قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. (وَيَتَّجِهُ: إلَّا مَعَ حَرَكَةٍ يُظَنُّ بِهَا حَيَاتُهُ بَعْدَ شَقِّهِ)، أَيْ: بَطْنِهَا فَيُشَقُّ، وَيُخْرَجُ الْوَلَدُ، اخْتَارَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ، وَجَعَلَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَجْهًا، وَقَالَ فِي الْإِنْصَافِ: قُلْتُ: وَهُوَ أَوْلَى، فَعَلَى الْمَذْهَبِ يُتْرَكُ، وَلَا تُدْفَنُ حَتَّى يَمُوتَ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا الْأَشْهَرُ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالْمُوَفَّقِ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُمْ. (وَلَا يُوضَعُ عَلَيْهِ مَا يُمَوِّتُهُ)، لِعُمُومِ النَّوَاهِي عَنْ قَتْلِ النَّفْسِ الْمُحَرَّمَةِ، وَلَا يُخْرِجُهُ الرِّجَالُ، لِمَا فِيهِ مِنْ هَتْكِ حُرْمَتِهَا. (وَإِنْ خَرَجَ بَعْضُهُ)، أَيْ: الْحَمْلِ (حَيًّا؛ شُقَّ) بَطْنُهَا (لِ) خُرُوجِ (بَاقٍ)، لِتَيَقُّنِ حَيَاتِهِ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مَوْهُومَةً، (فَلَوْ مَاتَ) الْحَمْلُ (قَبْلَهُ)، أَيْ: شَقِّ بَطْنِهَا (أُخْرِجَ) لِيُغَسَّلَ وَيُكَفَّنَ، وَلَا يُشَقُّ بَطْنُهَا، (فَإِنْ تَعَذَّرَ) إخْرَاجُهُ؛ (غُسِّلَ مَا خَرَجَ) مِنْهُ، لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ السَّقْطِ، (وَلَا يُيَمَّمُ لِبَاقٍ)، لِأَنَّهُ حَمْلٌ، (وَصُلِّيَ عَلَيْهِ)- أَيْ: الْحَمْلِ- خَرَجَ بَعْضُهُ أَوْ لَا (مَعَهَا)- أَيْ: أُمِّهِ الْمُسْلِمَةِ- بِأَنْ يَنْوِيَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِمَا (إنْ تَمَّ لَهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ) فَأَكْثَرُ، وَإِلَّا فَيُصَلَّى عَلَيْهَا دُونَهُ، (فَلَوْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ)، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْلُودٍ، وَلَا سَقْطٍ. (وَيَتَّجِهُ): لَا يُصَلَّى عَلَى حَمْلٍ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ، (وَلَوْ تَخَلَّقَ الْحَمْلُ) بِأَنْ مَضَى لَهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، (أَوْ) كَانَ (بِبَطْنِ مُسْلِمَةٍ) لِلشَّكِّ فِي وُجُودِهِ، قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ، (خِلَافًا لَهُ)، أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ حَيْثُ قَالَ: وَيُصَلَّى عَلَى مُسْلِمَةٍ حَامِلٍ وَحَمْلِهَا بَعْدَ مُضِيِّ زَمَنِ تَصْوِيرِهِ وَإِلَّا عَلَيْهَا دُونَهُ. انْتَهَى.
وَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْإِقْنَاعِ هُوَ الْمَذْهَبُ الْأَحَقُّ بِالِاتِّبَاعِ. (وَإِنْ مَاتَتْ كَافِرَةٌ) ذِمِّيَّةٌ أَوْ حَرْبِيَّةٌ (حَامِلٌ بِمُسْلِمٍ؛ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ) بِبَطْنِهَا، كَمَبْلُوعٍ بِبَطْنِ بَالِعِهِ، سَوَاءٌ كَانَ الْحَمْلُ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ، لِأَنَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِمَوْتِهَا، وَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ حَامِلٌ مِنْ مُسْلِمٍ، وَإِنْ كَانَ مَوْتُهَا وَمَوْتُ وَلَدِهَا فِي بَطْنِهَا مَعًا فَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ مُسْلِمٍ لَمْ يُحْكَمْ بِإِسْلَامِهِ، (مَا لَمْ يَخْرُجْ بَعْضُهُ كَمَا مَرَّ) آنِفًا، (وَدَفْنُهَا)، أَيْ الْكَافِرَةِ الْحَامِلِ بِمُسْلِمٍ (مُسَلَّمٌ) مِنْ أَجْلِ حَمْلِهَا (مُفْرَدَةً) عَنْ مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ نَصًّا، وَحَكَاهُ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ (إنْ أَمْكَنَ) إفْرَادُهَا، (وَإِلَّا) يُمْكِنْ إفْرَادُهَا (فـَ) إنَّهَا تُدْفَنُ (مَعَنَا)، لِئَلَّا يُدْفَنَ الْجَنِينُ الْمُسْلِمُ مَعَ الْكُفَّارِ، وَتُدْفَنُ (عَلَى جَنْبِهَا الْأَيْسَرِ مُسْتَدْبِرَةً الْقِبْلَةَ)، لِيَكُونَ الْجَنِينُ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، لِأَنَّ ظَهْرَهُ لِوَجْهِ أُمِّهِ. (وَلَا يَجُوزُ دَفْنُ) مَيِّتٍ (مُسْلِمٍ بِمَقْبَرَةِ كُفَّارٍ)، لِتَأَذِّيهِ بِمُجَاوَرَتِهِمْ، (وَلَا) يَجُوزُ (عَكْسُهُ)، أَيْ: دَفْنُ كَافِرٍ بِمَقْبَرَةِ مُسْلِمِينَ، لِئَلَّا يَنْزِلَ عَلَيْهِ الْعَذَابُ فَيُصِيبُهُمْ بِسَبَبِهِ (وَيَجُوزُ جَعْلُ مَقْبَرَةِ كُفَّارٍ مُنْدَرِسَةٍ مَقْبَرَةً لِلْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ بَقِيَ عَظْمٌ) مِنْ عِظَامِ الْكُفَّارِ (دُفِنَ بِمَوْضِعٍ آخَرَ، وَغَيْرُهَا)، أَيْ: غَيْرُ مَقْبَرَةِ الْكُفَّارِ (أَوْلَى) مِنْهَا، لِأَنَّهَا بُقْعَةٌ مَغْضُوبٌ عَلَيْهَا بِاعْتِبَارِ مَنْ كَانَ فِيهَا.

.(فَصْلٌ) فِي أَحْكَامِ الْمُصَابِ:

(يُسَنُّ لِمُصَابٍ) بِمَوْتِ نَحْوِ قَرِيبٍ (قَوْلُ: إنَّا لِلَّهِ)، أَيْ: نَحْنُ عَبِيدُهُ يَفْعَلُ بِنَا مَا يَشَاءُ، (وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ)، أَيْ: نَحْنُ مُقِرُّونَ بِالْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ عَلَى الْأَعْمَالِ لِلْآيَةِ، (اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا) أْجُرْنِي مَقْصُورٌ، وَقِيلَ: مَمْدُودٌ، وَأَخْلِفْ: بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ قَالَ الْآجُرِّيُّ وَجَمَاعَةٌ: وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ مُتَّجِهٌ، فَعَلَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَقَالَ: «وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ» (وَ) أَنْ (يَصْبِرَ) عَلَى الْمُصِيبَةِ (نَدْبًا) وَالصَّبْرُ: الْحَبْسُ قَوْله تَعَالَى: {وَاصْبِرُوا إنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ» وَفِي الصَّبْرِ عَلَى مَوْتِ الْوَلَدِ أَجْرٌ كَبِيرٌ، وَرَدَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ، مِنْهَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَمُوتُ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ فَتَمَسُّهُ النَّارُ إلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ» يُشِيرُ إلَى قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إلَّا وَارِدُهَا} وَالصَّحِيحُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمُرُورُ عَلَى الصِّرَاطِ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: مَا لِعَبْدِي الْمُؤْمِنِ جَزَاءٌ إذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، ثُمَّ احْتَسَبَهُ إلَّا الْجَنَّةُ»
قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى: وَاعْلَمْ أَنَّ الثَّوَابَ فِي الْمَصَائِبِ عَلَى الصَّبْرِ عَلَيْهَا لَا عَلَى الْمُصِيبَةِ نَفْسِهَا، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ كَسْبِهِ، وَإِنَّمَا يُثَابُ عَلَى كَسْبِهِ، وَالصَّبْرُ مِنْ كَسْبِهِ، وَالرِّضَى بِالْقَضَاءِ فَوْقَ الصَّبْرِ، فَإِنَّهُ يُوجِبُ رِضَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. (وَيَجِبُ مِنْهُ)، أَيْ: الصَّبْرِ (مَا يَمْنَعُ عَنْ مُحَرَّمٍ)، إذْ النَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ، (وَلَا يَلْزَمُ الرِّضَى بِمَرَضٍ وَفَقْرٍ وَعَاهَةٍ) تُصِيبُهُ، وَهِيَ عَرَضٌ مُفْسِدٌ لِمَا أَصَابَهُ، لِأَنَّهَا مِنْ الْمَقْضِيِّ، وَاخْتُلِفَ فِي الرِّضَى عَنْ اللَّهِ تَعَالَى، فَقَالَ الْجُنَيْدُ: رَفْعُ الِاخْتِيَارِ، وَقَالَ الْمُحَاسِبِيُّ: سُكُونُ النَّفْسِ تَحْتَ مَجَارِي الْقَدَرِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: السُّرُورُ بِمُرُورِ الْقَضَاءِ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: فَالْأَوَّلَانِ: تَعْرِيفٌ لِمُبْتَدَئِهِ، وَالثَّالِثُ: تَعْرِيفٌ لِمُنْتَهَاهُ، (بَلْ يُسْتَحَبُّ) الرِّضَى بِذَلِكَ وَالصَّبْرُ عَلَيْهِ، لِيَنَالَ أَجْرَهُ عَلَى الْكَمَالِ. (وَيَحْرُمُ) الرِّضَى (بِفِعْلِهِ الْمَعْصِيَةَ)، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ إجْمَاعًا، وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهُ إذَا نَظَرَ إلَى إحْدَاثِ الرَّبِّ لِذَلِكَ لِلْحِكْمَةِ الَّتِي يُحِبُّهَا وَيَرْضَاهَا رَضِيَ لِلَّهِ بِمَا رَضِيَهُ لِنَفْسِهِ، فَيَرْضَاهُ وَيُحِبُّهُ مَفْعُولًا مَخْلُوقًا لِلَّهِ وَيُبْغِضُهُ وَيَكْرَهُهُ فِعْلًا لِلْمُذْنِبِ الْمُخَالِفِ لِأَمْرِ اللَّهِ، وَهَذَا كَمَا نَقُولُ فِيمَنْ خَلَقَهُ مِنْ الْأَجْسَامِ الْخَبِيثَةِ، قَالَ: فَمَنْ فَهِمَ هَذَا الْمَوْضِعَ انْكَشَفَ لَهُ حَقِيقَةُ هَذَا الْأَمْرِ الَّذِي حَارَتْ فِيهِ الْعُقُولُ. (وَكُرِهَ لِمُصَابٍ تَغْيِيرُ حَالِهِ)، أَيْ: حَصِيلَتِهِ (مِنْ خَلْعِ رِدَاءٍ وَنَحْوِهِ) كَعِمَامَةٍ، (وَغَلْقِ حَانُوتِهِ وَتَعْطِيلِ مَعَاشِهِ)، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إظْهَارِ الْجَزَعِ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: فِي قَوْله تَعَالَى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إلَّا فِي كِتَابِ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} اعْلَمْ أَنَّهُ مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَا قُضِيَ لَا بُدَّ أَنْ يُصِيبَهُ قَلَّ حُزْنُهُ وَفَرَحُهُ، وَقَالَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ: اتَّفَقَ الْعُقَلَاءُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ أَنَّ مَنْ لَمْ يَتَمَشَّ مَعَ الْقَدَرِ لَمْ يَهْنَأْ بِعَيْشٍ.
وَ(لَا) يُكْرَهُ (جَعْلُ عَلَامَةٍ عَلَيْهِ لِيُعْرَفَ فَيُعَزَّى)، أَيْ: لِتَتَيَسَّرَ التَّعْزِيَةُ الْمَسْنُونَةُ لِمَنْ أَرَادَهَا. (وَلَا) يُكْرَهُ (هَجْرُهُ)، أَيْ: الْمُصَابِ (لِزِينَةٍ وَحُسْنِ ثِيَابٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ)، لِمَا يَأْتِي فِي الْإِحْدَادِ وَسُئِلَ أَحْمَدُ يَوْمَ مَاتَ بِشْرٌ عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا يَوْمَ جَوَابٍ، هَذَا يَوْمُ حُزْنٍ. (وَلَا) يُكْرَهُ (بُكَاءٌ عَلَى مَيِّتٍ قَبْلَ مَوْتٍ وَبَعْدَهُ) لِلْأَخْبَارِ، وَأَخْبَارُ النَّهْيِ مَحْمُولَةٌ عَلَى بُكَاءٍ مَعَهُ نَدْبٌ وَنِيَاحَةٌ، قَالَ الْمَجْدُ: وَإِنَّهُ كُرِهَ كَثْرَةُ الْبُكَاءِ وَالدَّوَامُ عَلَيْهِ أَيَّامًا كَثِيرَةً، (بَلْ اسْتِحْبَابُ الْبُكَاءِ رَحْمَةً لِلْمَيِّتِ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ)، لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا فَاضَتْ عَيْنَاهُ، لَمَّا رُفِعَ لَهُ ابْنُ بِنْتِهِ، وَنَفْسُهُ تَتَقَعْقَعُ كَأَنَّهَا فِي شَنَّةٍ- أَيْ: لَهَا صَوْتٌ وَحَشْرَجَةٌ كَصَوْتِ مَا أُلْقِيَ فِي قِرْبَةٍ بَالِيَةٍ- قَالَ لَهُ سَعْدٌ: مَا هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ» قَالَ جَمَاعَةُ: وَالصَّبْرُ عَنْهُ أَجْمَلُ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي التُّحْفَةِ الْعِرَاقِيَّةِ: الْبُكَاءُ عَلَى الْمَيِّتِ عَلَى وَجْهِ الرَّحْمَةِ حَسَنٌ مُسْتَحَبٌّ، وَذَلِكَ لَا يُنَافِي الرِّضَى بِخِلَافِ الْبُكَاءِ عَلَيْهِ لِفَوْتِ حَظِّهِ مِنْهُ، وَقَالَ فِي الْفُرْقَانِ: الصَّبْرُ وَاجِبٌ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ، ثُمَّ ذَكَرَ فِي الرِّضَى قَوْلَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: وَأَعْلَى مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَشْكُرَ اللَّهَ عَلَى الْمُصِيبَةِ، لِمَا يَرَى مِنْ إنْعَامِ اللَّهِ عَلَيْهِ بِهَا. (وَحَرُمَ نَدْبٌ، وَهُوَ بُكَاءٌ مَعَ تَعْدِيدِ مَحَاسِنِهِ)- أَيْ: الْمَيِّتِ- بِلَفْظِ النِّدَاءِ بِوَاوٍ مَعَ زِيَادَةِ أَلِفٍ وَهَاءٍ فِي آخِرِهِ، كَقَوْلِ: وَا سَيِّدَاه وَا جَبَلَاه، وَا انْقِطَاعَ ظَهْرَاه.
(وَ) حَرُمَ (نَوْحٌ، وَهُوَ: رَفْعُ صَوْتٍ بِذَلِكَ بِرَنَّةٍ)، لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: «أَخَذَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَيْعَةِ أَنْ لَا نَنُوحَ» وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ النَّائِحَةَ وَالْمُسْتَمِعَةَ» (وَ) حَرُمَ (شَقُّ ثَوْبٍ) لِمَا يَأْتِي، (وَكُرِهَ اسْتِدَامَةُ لُبْسِ) ثَوْبٍ (مَشْقُوقٍ، وَحَرُمَ لَطْمُ خَدٍّ وَخَمْشُهُ) وَتَسْوِيدُهُ (وَصُرَاخٌ وَنَتْفُ شَعْرٍ وَنَشْرُهُ وَحَلْقُهُ)، لِحَدِيثِ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِيهِ: «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَرِئَ مِنْ الصَّالِقَةِ وَالْحَالِقَةِ وَالشَّاقَّةِ» فَالصَّالِقَةُ: الَّتِي تَرْفَعُ صَوْتَهَا عِنْدَ الْمُصِيبَةِ، وَيُقَالُ: السَّالِقَةُ: بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ، وَالْحَالِقَةُ: الَّتِي تَحْلِقُ شَعْرَهَا عِنْدَ الْمُصِيبَةِ، وَالشَّاقَّةُ: الَّتِي تَشُقُّ ثِيَابَهَا. وَلِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إظْهَارِ الْجَزَعِ، وَعَدَمِ الرِّضَى بِقَضَاءِ اللَّهِ، وَالسَّخَطِ مِنْ فِعْلِهِ، وَفِي شَقِّ الْجُيُوبِ إفْسَادٌ لِلْمَالِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ. (وَفِي الْفُصُولِ يَحْرُمُ نَحِيبٌ وَتَعْدَادُ) مَحَاسِنِ مَيِّتٍ وَمَزَايَاهُ، (وَإِظْهَارُ جَزَعٍ، لِأَنَّهُ يُشْبِهُ التَّظَلُّمَ مِنْ الظَّالِمِ، وَهُوَ عَدْلٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى)، لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي خَلْقِهِ بِمَا شَاءَ، لِأَنَّهُمْ مِلْكُهُ. (وَيَتَّجِهُ: وَمِثْلُهُ)، أَيْ: مِثْلُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْحُرْمَةِ بَلْ أَفْظَعُ مِنْهُ (إلْقَاءُ تُرَابٍ عَلَى رَأْسٍ، وَ) أَقْبَحُ مِنْهُ (دُعَاءٌ بِوَيْلٍ وَثُبُورٍ)، لِأَنَّهُ مِنْ أَفْعَالِ الْجَاهِلِيَّةِ وَفِي الْخَبَرِ: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» وَفِي بَعْضِ الْآثَارِ: «إنَّ أَهْلَ الْمَيِّتِ إذَا دَعَوْا بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ؛ وَقَفَ مَلَكُ الْمَوْتِ بِعَتَبَةِ الْبَابِ، وَقَالَ: إنْ كَانَ صَيْحَتُكُمْ عَلَيَّ فَإِنِّي مَأْمُورٌ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى مَيِّتِكُمْ فَإِنَّهُ مَقْبُورٌ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى رَبِّكُمْ فَالْوَيْلُ لَكُمْ وَالثُّبُورُ، وَإِنَّ لِي فِيكُمْ لَعَوْدَاتٌ ثُمَّ عَوْدَاتٌ» وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيُبَاحُ يَسِيرُ نُدْبَةِ) الصِّدْقِ (إذَا لَمْ تَخْرُجْ مَخْرَجَ نَوْحٍ نَحْوِ) قَوْلِهِ: (يَا أَبَتَاهُ يَا وَلَدَاهُ)، لِفِعْلِ فَاطِمَةَ لَمَّا أَخَذَتْ قَبْضَةً مِنْ تُرَابِ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَتْهَا عَلَى عَيْنِهَا، ثُمَّ قَالَتْ: مَاذَا عَلَى مَنْ شَمَّ تُرْبَةَ أَحْمَدَ أَنْ لَا يَشُمَّ مَدَى الزَّمَانِ غَوَالِيَا صُبَّتْ عَلَيَّ مَصَائِبُ لَوْ أَنَّهَا صُبَّتْ عَلَى الْأَيَّامِ عُدْنَ لَيَالِيَا (وَجَاءَتْ الْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ بِتَعْذِيبِ الْمَيِّتِ بِنَوْحٍ وَبُكَاءٍ عَلَيْهِ)، فَحَمَلَهُ ابْنُ حَامِدٍ عَلَى مَنْ أَوْصَى بِهِ، لِأَنَّ عَادَةَ الْعَرَبِ الْوَصِيَّةُ بِفِعْلِهِ، فَخُرِّجَ عَلَى عَادَتِهِمْ، كَقَوْلِ طَرَفَةَ: إذَا مِتُّ فَانْعِينِي بِمَا أَنَا أَهْلُهُ وَشُقِّي عَلَيَّ الْجَيْبَ يَا بِنْتَ مَعْبَدِ وَقَوْلِ الْآخَرِ: مَنْ كَانَ مِنْ أُمَّهَاتِي بَاكِيًا أَبَدَا فَالْيَوْمُ إنِّي أَرَانِي الْيَوْمَ مَقْبُوضَا تُسْمِعْنَنِيهِ فَإِنِّي غَيْرُ سَامِعِهِ إذَا جُعِلْتُ عَلَى الْأَعْنَاقِ مَعْرُوضَا (وَالْمُرَادُ: بُكَاءٌ مُحَرَّمٌ كَنَدْبٍ وَنَحْوِهِ) مِنْ لَطْمِ خَدٍّ وَشَقِّ جَيْبٍ، (وَيَنْبَغِي إيصَاءٌ بِتَرْكِهِ) لِفِعْلِ السَّلَفِ، (وَاخْتَارَ الْمَجْدُ: إذَا كَانَ) النَّوْحُ (عَادَةَ أَهْلِهِ)؛ فَعَلَيْهِ أَنْ يُوصِيَهُمْ بِتَرْكِهِ، فَإِنْ سَكَتَ (وَلَمْ يُوصِ بِتَرْكِهِ) مَعَ عِلْمٍ أَنَّهُ عَادَةُ أَهْلِهِ؛ فَإِنَّهُ (يُعَذَّبُ)، لِأَنَّهُ مَتَى ظَنَّ وُقُوعَهُ وَلَمْ يُوصِ فَقَدْ رَضِيَ، وَلَمْ يَنْهَ مَعَ قُدْرَتِهِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِ الرُّوحِ: يَتَأَلَّمُ مِنْ ذَلِكَ وَيَتَوَجَّعُ مِنْهُ، لَا أَنَّهُ يُعَاقَبُ بِذَنْبِ الْحَيِّ، {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}، وَهَذَا كَقَوْلِهِ: «السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ» فَالْعَذَابُ أَعَمُّ مِنْ الْعُقُوبَةِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ. (وَمَا هَيَّجَ الْمُصِيبَةَ مِنْ وَعْظٍ وَإِنْشَادِ شِعْرٍ؛ فَمِنْ النِّيَاحَةِ) قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَمَعْنَاهُ فِي الْفُنُونِ لِابْنِ عَقِيلٍ، فَإِنَّهُ لَمَّا تُوُفِّيَ ابْنُهُ عَقِيلٌ قَرَأَ قَارِئٌ: {يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إنَّا نَرَاكَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ} فَبَكَى ابْنُ عَقِيلٍ، وَبَكَى النَّاسُ، فَقَالَ لِلْقَارِئِ: يَا هَذَا إنْ كَانَ يُهَيِّجُ الْحُزْنَ فَهُوَ نِيَاحَةٌ بِالْقُرْآنِ، وَلَمْ يُنَزَّلْ لِلنَّوْحِ بَلْ لِتَسْكِينِ الْأَحْزَانِ. (وَسُنَّ قَبْلَ دَفْنٍ وَبَعْدَهُ: تَعْزِيَةُ مُسْلِمٍ أُصِيبَ) بِمَوْتِ قَرِيبِهِ (وَلَوْ) كَانَ (صَغِيرًا أَوْ صَدِيقًا)، لِحَدِيثِ: «مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يُعَزِّي أَخَاهُ بِمُصِيبَةٍ إلَّا كَسَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ حُلَلِ الْجَنَّةِ» رَوَاه ابْنُ مَاجَهْ. (وَيَتَّجِهُ: مَا لَمْ يَكُنْ) الْمُصَابُ (يَجِبُ هَجْرُهُ) كَمُتَبَدِّعٍ، (أَوْ يُسَنُّ) هَجْرُهُ كَفَاسِقٍ مُتَجَاهِرٍ بِالْمَعْصِيَةِ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يُعَزَّى؛ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ عَزَّى أَخَاهُ؛ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ)، لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا «مَنْ عَزَّى مُصَابًا فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ» رَوَاه ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: غَرِيبٌ. (وَتُكْرَهُ) تَعْزِيَةُ رَجُلٍ (لِشَابَّةٍ أَجْنَبِيَّةٍ) خَشْيَةَ الْفِتْنَةِ، (وَتَمْتَدُّ) التَّعْزِيَةُ (إلَى ثَلَاثِ) لَيَالٍ بِأَيَّامِهَا (وَتُكْرَهُ) التَّعْزِيَةُ (بَعْدَهَا)، أَيْ: الثَّلَاثِ لِأَنَّهَا مُدَّةُ الْإِحْدَادِ الْمُطْلَقِ (وَاسْتَثْنَى أَبُو الْمَعَالِي) وَالْمَجْدُ (إلَّا لِغَائِبٍ)، فَلَا بَأْسَ بِتَعْزِيَتِهِ إذَا حَضَرَ، مَا لَمْ يَنْسَ الْمُصِيبَةَ. (وَيَتَّجِهُ: وَمَعْذُورٍ) بِتَوَارٍ مِنْ خَصْمٍ ظَالِمٍ أَوْ حَبْسٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (فَيُقَالُ) فِي تَعْزِيَةٍ (لِمُصَابٍ بِمُسْلِمٍ: أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَكَ، وَأَحْسَنَ عَزَاءَك، وَغَفَرَ لِمَيِّتِك وَ) لِمُسْلِمٍ مُصَابٍ (بِكَافِرٍ أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَكَ، وَأَحْسَنَ عَزَاءَكَ) لِأَنَّ الْغَرَضَ الدُّعَاءُ لِلْمُصَابِ وَمَيِّتِهِ، إلَّا إذَا كَانَ كَافِرًا فَيُمْسِكُ عَنْ الدُّعَاءِ لَهُ، وَالِاسْتِغْفَارِ، لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ. (وَحَرُمَ تَعْزِيَةُ كَافِرٍ وَلَوْ بِمُسْلِمٍ)، لِأَنَّ فِيهَا تَعْظِيمًا لِلْكَافِرِ كَبُدَاءَتِهِ بِالسَّلَامِ، (وَلَا تَعْيِينَ فِيمَا يَقُولُهُ مُعَزٍّ)، لِمَا رَوَى حَرْبٌ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: «عَزَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا عَلَى وَلَدِهِ؛ فَقَالَ: آجَرَكَ اللَّهُ، وَأَعْظَمَ لَكَ الْأَجْرَ» (وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ بِيَدِ مَنْ يُعَزِّيهِ)، قَالَ أَحْمَدُ: إنْ شِئْتَ أَخَذْتَ بِيَدِ الرَّجُلِ فِي التَّعْزِيَةِ، وَإِنْ شِئْتَ فَلَا. (وَكُرِهَ تَكْرَارُهَا)، أَيْ: التَّعْزِيَةِ نَصًّا، (فَلَا يُعَزِّي عِنْدَ قَبْرٍ مَنْ عَزَّى قَبْلَ) ذَلِكَ، قَالَ أَحْمَدُ: أَكْرَهُ التَّعْزِيَةَ عِنْدَ الْقَبْرِ، إلَّا لِمَنْ لَمْ يُعَزِّ فَيُعَزِّي إذَا دُفِنَ الْمَيِّتُ أَوْ بَعْدَهُ.
(وَ) كُرِهَ (جُلُوسُ مُصَابٍ لَهَا)، أَيْ: التَّعْزِيَةِ، بِأَنْ يَجْلِسَ الْمُصَابُ بِمَكَانٍ لِيُعَزَّى، (وَمُعَزِّيهِ كَذَلِكَ)، أَيْ: يُكْرَهُ أَنْ يَجْلِسَ الْمُعَزِّي عِنْدَ الْمُصَابِ بَعْدَ التَّعْزِيَةِ، لِأَنَّهُ اسْتِدَامَةٌ لِلْحُزْنِ.
وَ(لَا) يُكْرَهُ جُلُوسُ الْمُعَزِّي (بِقُرْبِ دَارِ الْمَيِّتِ) خَارِجًا عَنْهَا (لِيَتَّبِعَ الْجِنَازَةَ) إذَا خَرَجَتْ، (أَوْ لِيَخْرُجَ وَلِيُّهُ)، أَيْ: الْمَيِّتِ (فَيُعَزِّيهِ)، لِأَنَّهُ لِطَاعَةٍ بِلَا مَفْسَدَةٍ، لَكِنْ إنْ كَانَ الْجُلُوسُ خَارِجَ مَسْجِدٍ عَلَى نَحْوِ حَصِيرٍ مِنْهُ؛ كُرِهَ نَصًّا، بَلْ مُقْتَضَى مَا فِي الْوَقْفِ: يَحْرُمُ، لِأَنَّهَا إنَّمَا وُقِفَتْ لِيُصَلَّى عَلَيْهَا وَيُنْتَفَعَ بِهَا فِيهِ.

.(فَرْعٌ): [التَّعْزِيَةُ]:

(مَعْنَى التَّعْزِيَةِ: التَّسْلِيَةُ وَالْحَثُّ)، أَيْ: حَثُّ الْمُصَابِ (عَلَى الصَّبْرِ بِوَعْدِ الْأَجْرِ وَالدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ) إنْ كَانَ مُسْلِمًا، (وَالْمُصَابِ)، أَيْ: وَالدُّعَاءِ لِلْمُصَابِ. (وَمَنْ جَاءَتْهُ تَعْزِيَةٌ بِكِتَابٍ؛ رَدَّهَا عَلَى الرَّسُولِ لَفْظًا، قَالَهُ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ. ) (وَسُنَّ أَنْ يُصْنَعَ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ طَعَامٌ يُبْعَثُ بِهِ إلَيْهِمْ ثَلَاثًا) مِنْ اللَّيَالِي بِأَيَّامِهَا، حَاضِرًا كَانَ الْمَيِّتُ عِنْدَهُمْ أَوْ غَائِبًا وَأَتَاهُمْ نَعْيُهُ، لِحَدِيثِ: «اصْنَعُوا لِآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا فَقَدْ أَتَاهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ» رَوَاه الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، قَالَ الزُّبَيْرُ: فَعَمَدَتْ سَلْمَى مَوْلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى شَعِيرٍ وَطَحَنَتْهُ، وَأَدَمَتْهُ بِزَيْتٍ جُعِلَ عَلَيْهِ، وَبُعِثَ بِهِ إلَيْهِمْ.
وَ(لَا) يُصْنَعُ الطَّعَامُ (لِمَنْ يَجْتَمِعُ عِنْدَهُمْ)، أَيْ: أَهْلِ الْمَيِّتِ، (فَيُكْرَهُ)، لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى مَكْرُوهٍ، وَهُوَ الِاجْتِمَاعُ عِنْدَهُمْ، قَالَ أَحْمَدُ: إنَّهُ مِنْ أَفْعَالِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَنْكَرَهُ شَدِيدًا، وَلِأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ، وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ، عَنْ جَرِيرٍ: كُنَّا نَعُدُّ الِاجْتِمَاعَ إلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ وَصَنْعَةَ الطَّعَامِ بَعْدَ دَفْنِهِ مِنْ النِّيَاحَةِ (كِ) مَا يُكْرَهُ (فِعْلُهُمْ)، أَيْ: أَهْلِ الْمَيِّتِ (ذَلِكَ) الطَّعَامَ (لِلنَّاسِ) الَّذِينَ يَجْتَمِعُونَ عِنْدَهُمْ لِلتَّعْزِيَةِ. (وَيَتَّجِهُ: مَا لَمْ يَكُونُوا)، أَيْ: الْمُجْتَمِعُونَ عِنْدَ أَهْلِ الْمَيِّتِ (ضُيُوفًا فِيهِمَا)، أَيْ: فِي صُنْعِ أَهْلِ الْمَيِّتِ الطَّعَامَ، أَوْ صُنْعِ غَيْرِهِمْ لِمَنْ يَجْتَمِعُ عِنْدَهُمْ. (وَيَدُلُّ لَهُ)، أَيْ: عَدَمِ الْكَرَاهَةِ فِي الصُّورَتَيْنِ (كَلَامُ الْمُوَفَّقِ وَغَيْرِهِ) كَابْنِ أَخِيهِ الشَّارِحِ، فَإِنَّهُمَا قَالَا: وَإِنْ دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى ذَلِكَ؛ جَازَ، فَإِنَّهُ رُبَّمَا جَاءَهُمْ مَنْ يَحْضُرُ مَيِّتَهُمْ مِنْ الْقُرَى الْبَعِيدَةِ، وَيَبِيتُ عِنْدَهُمْ، فَلَا يُمْكِنُهُمْ إلَّا أَنْ يُطْعِمُوهُ. (وَالْقَوَاعِدُ)، أَيْ: قَوَاعِدُ الْمَذْهَبِ (تَقْتَضِيهِ)، أَيْ: تَقْتَضِي إطْعَامَ الضَّيْفِ، لِأَنَّهُ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَلَوْلَا التَّعْزِيَةُ لَكَانَ قِرَاهُ وَاجِبًا عِنْدَنَا بِالِاتِّفَاقِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَكُرِهَ) لِلنَّاسِ غَيْرِ الضُّيُوفِ (أَكْلٌ مِنْ طَعَامِهِمْ)، قَالَهُ النَّاظِمُ، (وَإِنْ كَانَ) طَعَامُهُمْ (مِنْ التَّرِكَةِ وَفِي مُسْتَحِقِّيهَا)، أَيْ: التَّرِكَةِ (مَحْجُورٌ عَلَيْهِ) أَوْ مَنْ لَمْ يَأْذَنْ؛ (حَرُمَ فِعْلُهُ)، أَيْ: الطَّعَامِ، (وَ) حَرُمَ (أَكْلٌ مِنْهُ)، لِأَنَّهُ مَالُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ، أَوْ مَالُ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ. (وَيَتَّجِهُ: وَصُنْعُ طَعَامٍ لِلنَّائِحَاتِ حَرَامٌ) قَطْعًا، (لِأَنَّهُ عَوْنٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ)، وَهُوَ اتِّجَاهٌ حَسَنٌ. (وَكُرِهَ ذَبْحٌ وَأُضْحِيَّةٌ عِنْدَ قَبْرٍ وَأَكْلٌ مِنْهُ)، لِحَدِيثِ أَنَسٍ: «لَا عَقْرَ فِي الْإِسْلَامِ» رَوَاه أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد، وَقَالَ أَحْمَدُ: كَانُوا إذَا مَاتَ لَهُمْ مَيِّتٌ نَحَرُوا جَزُورًا، فَنَهَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ.
(وَقَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: يَحْرُمُ الذَّبْحُ وَالتَّضْحِيَةُ عِنْدَ الْقَبْرِ وَ(لَوْ نَذَرَهُ) نَاذِرٌ (لَمْ يَفِ بِهِ)، لِحَدِيثِ: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ» (وَلَوْ شَرَطَهُ)، أَيْ: الذَّبْحَ (وَاقِفٌ) حِينَ وَقَفَ عَقَارَهُ، فَقَالَ: يُؤْخَذُ مِنْ غَلَّتِهِ كُلَّ سَنَةٍ أَوْ شَهْرٍ نَحْوُ شَاةٍ فَتُذْبَحُ عِنْدَ الْقَبْرِ وَتُفَرَّقُ عَلَى الْفُقَرَاءِ؛ (فَشَرْطُهُ فَاسِدٌ)، لِأَنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ. (وَمِنْ الْمُنْكَرِ) أَيْضًا (وَضْعُ طَعَامٍ) عَلَى الْقَبْرِ (أَوْ) وَضْعُ (شَرَابٍ عَلَى الْقَبْرِ لِيَأْخُذَهُ النَّاسُ، وَإِخْرَاجُ الصَّدَقَةِ مَعَ الْجِنَازَةِ) كَالْخُبْزِ يُخْرَجُ مَعَهَا وَيُفَرَّقُ عَلَى مُتَّبِعِيهَا وَغَيْرِهِمْ، وَالشَّرَابِ يَسْقُونَهُ لَهُمْ وَقْتَ دَفْنِهَا (بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ) لَمْ يَفْعَلْهَا السَّلَفُ، هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْوَرَثَةِ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ أَوْ غَائِبٌ، وَإِلَّا؛ فَحَرَامٌ. (وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ)، أَيْ: وَضْعِ الطَّعَامِ أَوْ الشَّرَابِ عَلَى الْقَبْرِ (الصَّدَقَةُ عِنْدَ الْقَبْرِ) فَإِنَّهَا مُحْدَثَةٌ الْأَوْلَى تَرْكُهَا، لِأَنَّهُ قَدْ يَشُوبُهَا رِيَاءٌ، (وَتَوَقَّفَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ) فِي الصَّدَقَةِ عِنْدَ الْقَبْرِ، نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ عَنْهُ: لَمْ أَسْمَعْ فِيهِ بِشَيْءٍ، وَأَكْرَهُ أَنْ أَنْهَى عَنْ الصَّدَقَةِ لِلْمَيِّتِ.

.(فَصْلٌ): [فضلُ زِيَارَةِ القبورِ]:

(سُنَّ لِرَجُلٍ زِيَارَةُ قَبْرِ مُسْلِمٍ) نَصًّا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى (بِلَا سَفَرٍ)، لِحَدِيثِ: «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمْ الْمَوْتَ وَلِلتِّرْمِذِيِّ: فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمْ الْآخِرَةَ» وَهَذَا التَّعْلِيلُ يُرَجِّحُ أَنَّ الْأَمْرَ لِلِاسْتِحْبَابِ، وَإِنْ كَانَ وَارِدًا بَعْدَ الْحَظْرِ، (وَبِهِ)، أَيْ: السَّفَرِ (يُبَاحُ وَقِيلَ يُكْرَهُ) لِظَاهِرِ حَدِيثِ: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ» الْحَدِيثَ. (وَكَرِهَ فِي الرِّعَايَةِ) الْكُبْرَى (الْإِكْثَارَ مِنْهُ)، وَعِبَارَتُهُ: وَيُكْرَهُ الْإِكْثَارُ مِنْ زِيَارَةِ الْمَوْتَى، قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: قُلْتُ: وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ فِيهِ سَلَفٌ. (وَتُبَاحُ) زِيَارَةُ الْمُسْلِمِ (لِقَبْرِ كَافِرٍ)، قَالَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَجُوزُ زِيَارَةُ قَبْرِهِ لِلِاعْتِبَارِ، وَلَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ، وَلَا يَدْعُو لَهُ، بَلْ يَقُولُ: أَبْشِرْ بِالنَّارِ وقَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} الْمُرَادُ بِهِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ: الدُّعَاءُ وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُ: وَفِي اسْتِعْمَالِ الْبِشَارَةِ تَهَكُّمٌ بِهِ عَلَى حَدِّ قَوْله تَعَالَى: {ذُقْ إنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} (وَلَا يُمْنَعُ كَافِرٌ مِنْ زِيَارَةِ قَبْرِ مُسْلِمٍ)، لِعَدَمِ الْمَحْظُورِ. (وَتُكْرَهُ) زِيَارَةُ الْقُبُورِ (لِنِسَاءٍ)، لِمَا رَوَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: «نُهِينَا عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ، وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَإِنْ عَلِمَ وُقُوعَ مُحَرَّمٍ مِنْهُنَّ كَنَوْحٍ؛ حُرِّمَتْ) زِيَارَتُهُنَّ الْقُبُورَ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَعَنَ اللَّهُ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ»، رَوَاه الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيّ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ. ( «إلَّا لِقَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَبْرَيْ صَاحِبَيْهِ») أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، (فَتُسَنُّ) زِيَارَتُهُمَا لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ فِي طَلَبِ زِيَارَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (وَيَتَّجِهُ: وَكَذَا) تُسَنُّ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ زِيَارَةُ (قَبْرِ نَبِيٍّ غَيْرِهِ) حَيْثُ ثَبَتَ؛ لَكِنْ قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ الْكَتَّانِيُّ: لَيْسَ مِنْ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ مَا ثَبَتَ إلَّا قَبْرُ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ غَيْرُهُ: وَقَبْرُ إبْرَاهِيمَ أَيْضًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُرَّةَ: مَا نَعْلَمُ قَبْرَ نَبِيٍّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ إلَّا ثَلَاثَةً: قَبْرَ إسْمَاعِيلَ، فَإِنَّهُ تَحْتَ الْمِيزَابِ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَيْتِ، وَقَبْرَ هُودٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فِي كَثِيبٍ مِنْ الرَّمْلِ تَحْتَ جَبَلٍ مِنْ جِبَالِ الْيَمَنِ، عَلَيْهِ شَجَرَةٌ يَبْدُو مَوْضِعُهُ أَشَدَّ الْأَرْضِ حَرًّا، وَقَبْرَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى.
وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ اجْتَازَتْ امْرَأَةٌ) بِقَبْرٍ (بِطَرِيقِهَا) وَلَمْ تَكُنْ خَرَجَتْ لَهُ، (فَسَلَّمَتْ عَلَيْهِ، وَدَعَتْ لَهُ؛ فَحَسَنٌ) لِأَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ لِذَلِكَ. (وَسُنَّ وُقُوفُ زَائِرَةٍ أَمَامَهُ)، أَيْ: الْقَبْرِ (قَرِيبًا مِنْهُ) عُرْفًا كَعَادَةِ الْحَيِّ (وَ) سُنَّ (قَوْلُ) مَنْ زَارَ قُبُورَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مَرَّ بِهَا: (السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، أَوْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَلَاحِقُونَ، وَيَرْحَمُ اللَّهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَالْمُسْتَأْخِرِينَ، نَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمْ الْعَافِيَةَ، اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُمْ، وَلَا تَفُتْنَا بَعْدَهُمْ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُمْ)، لِلْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ بِذَلِكَ، مِنْهَا مَا تَقَدَّمَ، وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقُبُورِ الْمَدِينَةِ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِمْ بِوَجْهِهِ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْقُبُورِ، يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ، أَنْتُمْ سَلَفُنَا، وَنَحْنُ بِالْأَثَرِ» وَقَوْلُهُ: إنْ شَاءَ اللَّهُ لِلتَّبَرُّكِ، أَوْ فِي الْمَوْتِ عَلَى الْإِسْلَامِ، أَوْ فِي الدَّفْنِ عِنْدَهُمْ، وَنَحْوِهِ مِمَّا أُجِيبَ بِهِ إذْ الْمَوْتُ مُحَقَّقٌ، فَلَا يُعَلَّقُ بِإِنْ، وَمِمَّا وَرَدَ: «اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الْأَجْسَادِ الْبَالِيَةِ، وَالْعِظَامِ النَّخِرَةِ الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ دَارِ الدُّنْيَا، وَهِيَ بِك مُؤْمِنَةٌ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، وَأَنْزِلْ بِهِمْ رُوحًا مِنْكَ وَسَلَامًا مِنِّي» ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ.
(وَلَا بَأْسَ بِلَمْسِ قَبْرٍ بِيَدٍ لَا سِيَّمَا مَنْ تُرْجَى بَرَكَتُهُ)، وَ(لَا) يُشْرَعُ (تَمَسُّحٌ بِهِ، وَصَلَاةٌ عِنْدَهُ أَوْ قَصْدُهُ لِأَجْلِ دُعَاءٍ مُعْتَقِدًا أَنَّ الدُّعَاءَ هُنَاكَ أَفْضَلُ مِنْ الدُّعَاءِ فِي غَيْرِهِ، أَوْ النَّذْرُ لَهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، بَلْ قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (لَيْسَ هَذَا مِنْ دِينِ الْمُسْلِمِينَ بَلْ) هُوَ (مِمَّا أُحْدِثَ مِنْ الْبِدَعِ الْقَبِيحَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ شُعَبِ الشِّرْكِ)، وَقَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: اتَّفَقَ السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ عَلَى أَنَّ مَنْ سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ فَإِنَّهُ لَا يَتَمَسَّحُ بِالْقَبْرِ، وَلَا يُقَبِّلُهُ بَلْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَلَمُ وَلَا يُقَبَّلُ إلَّا الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ، وَالرُّكْنُ الْيَمَانِيُّ يُسْتَلَمُ، وَلَا يُقَبَّلُ عَلَى الصَّحِيحِ. (وَيَسْمَعُ الْمَيِّتُ الْكَلَامَ مُطْلَقًا) سَلَامًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِالسَّلَامِ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَكُنْ يَأْمُرُ بِالسَّلَامِ عَلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْ، (وَيَعْرِفُ) الْمَيِّتُ (زَائِرَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ)، قَالَهُ أَحْمَدُ. (وَفِي الْغُنْيَةِ: يَعْرِفُهُ كُلَّ وَقْتٍ، وَهَذَا الْوَقْتُ آكِدٌ. انْتَهَى.
وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ بِلَا رَيْبٍ)، قَالَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ البربهاري، وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: الْأَحَادِيثُ وَالْآثَارُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الزَّائِرَ مَتَى جَاءَ عَلِمَ بِهِ الْمَزُورُ، وَسَمِعَ سَلَامَهُ، وَأَنِسَ بِهِ، وَرَدَّ عَلَيْهِ، وَهَذَا عَامٌّ فِي حَقِّ الشُّهَدَاءِ وَغَيْرِهِمْ، وَإِنَّهُ لَا تَوْقِيتَ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ أَصَحُّ مِنْ أَثَرِ الضَّحَّاكِ؛ الدَّالِّ عَلَى التَّوْقِيتِ. انْتَهَى.
يُشِيرُ إلَى مَا رُوِيَ عَنْ الضَّحَّاكِ قَالَ: مَنْ زَارَ قَبْرًا يَوْمَ السَّبْتِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ؛ عَلِمَ الْمَيِّتُ بِزِيَارَتِهِ، قِيلَ لَهُ: وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: لِمَكَانِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ. وَنَحْوُهُ مَا رَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ؛ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ الْمَوْتَى يَعْلَمُونَ مَنْ زَارَهُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَوْمًا قَبْلَهُ، وَيَوْمًا بَعْدَهُ. (وَيَتَأَذَّى بِالْمُنْكَرِ عِنْدَهُ، وَيَنْتَفِعُ بِالْخَيْرِ) عِنْدَهُ لِمَجِيءِ الْآثَارِ بِذَلِكَ (قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (اسْتَفَاضَتْ الْآثَارُ بِمَعْرِفَتِهِ)- أَيْ: الْمَيِّتِ- (بِأَحْوَالِ أَهْلِهِ وَأَصْحَابِهِ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَّ ذَلِكَ يُعْرَضُ عَلَيْهِ، وَجَاءَتْ الْآثَارُ بِأَنَّهُ يَرَى وَيَدْرِي بِمَا فُعِلَ عِنْدَهُ، وَيُسَرُّ بِمَا كَانَ) مَا يُفْعَلُ عِنْدَهُ (حَسَنًا، وَيَتَأَلَّمُ بِمَا كَانَ قَبِيحًا). وَكَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَعْمَلَ عَمَلًا أُخْزَى بِهِ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّهِ. وَلَمَّا دُفِنَ عُمَرُ عِنْدَ عَائِشَةَ كَانَتْ تَسْتَتِرُ مِنْهُ، وَتَقُولُ: إنَّمَا كَانَ أَبِي وَزَوْجِي، وَأَمَّا عُمَرُ فَأَجْنَبِيٌّ، تَعْنِي: أَنَّهُ يَرَاهَا. (وَعَذَابُهُ)، أَيْ: الْمَيِّتِ (فِي قَبْرِهِ وَاقِعٌ عَلَى رُوحِهِ وَبَدَنِهِ؛ لَا) عَلَى (رُوحِهِ فَقَطْ) قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَمَذْهَبُ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا أَنَّ الْعَذَابَ أَوْ النَّعِيمَ يَحْصُلُ لِرُوحِ الْمَيِّتِ وَبَدَنِهِ، وَأَنَّ الرُّوحَ تَبْقَى بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْبَدَنِ مُنَعَّمَةً أَوْ مُعَذَّبَةً، وَأَيْضًا تَتَّصِلُ بِالْبَدَنِ أَحْيَانَا، فَيَحْصُلُ لَهُ مَعَهَا النَّعِيمُ أَوْ الْعَذَابُ، (خِلَافًا لِابْنِ عَقِيلٍ وَابْنِ الْجَوْزِيِّ) فِي قَوْلِهِمَا: إنَّ الْعَذَابَ وَاقِعٌ عَلَى الرُّوحِ فَقَطْ، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَيْضًا: مِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْبَدَنِ تَعَلُّقًا بِالرُّوحِ، فَتُعَذَّبُ بِالْقَبْرِ. (وَسُنَّ) لِزَائِرِهِ (فِعْلُ مَا يُخَفِّفُ عَنْهُ)، أَيْ: الْمَيِّتِ (وَلَوْ بِجَعْلِ جَرِيدَةٍ رَطْبَةٍ فِي الْقَبْرِ) لِلْخَبَرِ وَأَوْصَى بِهِ بُرَيْدَةَ، ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ. وَفِي مَعْنَاهُ غَرْسُ غَيْرِهَا، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ.
(وَ) فِي مَعْنَى ذَلِكَ (ذِكْرٌ وَقِرَاءَةٌ) وَتَسْبِيحٌ (عِنْدَهُ)- أَيْ: الْقَبْرِ- لِخَبَرِ الْجَرِيدَةِ، لِأَنَّهُ إذَا أُرْجِئَ التَّخْفِيفُ بِتَسْبِيحِهَا فَالْقِرَاءَةُ أَوْلَى. (وَتُسْتَحَبُّ قِرَاءَةٌ بِمَقْبَرَةٍ).
قَالَ الْمَرُّوذِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُولُ: إذَا دَخَلْتُمْ الْمَقَابِرَ فَاقْرَءُوا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ، وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وَاجْعَلُوا ثَوَابَ ذَلِكَ إلَى أَهْلِ الْمَقَابِرِ؛ فَإِنَّهُ يَصِلُ إلَيْهِمْ، وَكَانَتْ هَكَذَا عَادَةُ الْأَنْصَارِ فِي التَّرَدُّدِ إلَى مَوْتَاهُمْ؛ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ. وَأَخْرَجَ السَّمَرْقَنْدِيُّ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا «مَنْ مَرَّ عَلَى الْمَقَابِرِ وَقَرَأَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ إحْدَى عَشْرَةَ مَرَّةً، ثُمَّ وَهَبَ أَجْرَهُ لِلْأَمْوَاتِ؛ أُعْطِي مِنْ الْأَجْرِ بِعَدَدِ الْأَمْوَاتِ» وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ دَخَلَ الْمَقَابِرَ ثُمَّ قَرَأَ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ، وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وَأَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ، ثُمَّ قَالَ: إنِّي جَعَلْتُ ثَوَابَ مَا قَرَأْتُ مِنْ كَلَامِكَ لِأَهْلِ الْمَقَابِرِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ؛ كَانُوا شُفَعَاءَ لَهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى»، وَعَنْ عَائِشَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ مَرْفُوعًا: «مَنْ زَارَ قَبْرَ وَالِدَيْهِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ أَوْ أَحَدِهِمَا، فَقَرَأَ عِنْدَهُ يَاسِينَ؛ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ بِعَدَدِ كُلِّ آيَةٍ أَوْ حَرْفٍ»، رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخِ. (وَكُلُّ قُرْبَةٍ فَعَلَهَا مُسْلِمٌ وَجَعَلَ) الْمُسْلِمُ (بِالنِّيَّةِ، فَلَا اعْتِبَارَ بِاللَّفْظِ، ثَوَابَهَا أَوْ بَعْضَهُ لِمُسْلِمٍ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ جَازَ، وَنَفَعَهُ ذَلِكَ بِحُصُولِ الثَّوَابِ لَهُ، وَلَوْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، ذَكَرَهُ الْمَجْدُ. (مِنْ): بَيَانٍ لِكُلِّ قُرْبَةٍ (تَطَوُّعٍ وَوَاجِبٍ تَدْخُلُهُ نِيَابَةٌ كَحَجٍّ) أَوْ صَوْمٍ نَذَرَهُ مَيِّتٌ (أَوْ لَا) تَدْخُلُهُ نِيَابَةٌ، (كَصَلَاةٍ وَدُعَاءٍ وَاسْتِغْفَارٍ وَصَدَقَةٍ) وَعِتْقٍ (وَأُضْحِيَّةٍ وَأَدَاءِ دَيْنٍ وَصَوْمٍ) غَيْرِ مَنْذُورٍ، (وَكَذَا قِرَاءَةٌ وَغَيْرُهَا).
قَالَ أَحْمَدُ: الْمَيِّتُ يَصِلُ إلَيْهِ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ الْخَيْرِ لِلنُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِيهِ، وَلِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَجْتَمِعُونَ فِي كُلِّ عَصْرٍ وَيَقْرَءُونَ وَيُهْدُونَ لِمَوْتَاهُمْ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ؛ فَكَانَ إجْمَاعًا، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: أَوْ لَا كَصَلَاةٍ؛ هُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْقَاضِي: إذَا صَلَّى فَرْضًا وَأَهْدَى ثَوَابَهُ؛ صَحَّتْ الْهَدِيَّةُ وَأَجْزَأَ مَا عَلَيْهِ، قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَفِيهِ بُعْدٌ، وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا جَعَلَهَا لِغَيْرِ مُسْلِمٍ لَا تَنْفَعُهُ، وَهُوَ صَحِيحٌ لِنَصٍّ وَرَدَ فِيهِ، فَعَلَى هَذَا لَا يُفْتَقَرُ أَنْ يَنْوِيَهُ حَالَ الْقِرَاءَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ. (وَاعْتَبَرَ بَعْضُهُمْ) فِي حُصُولِ الثَّوَابِ لِلْمَجْعُولِ لَهُ (إذَا نَوَاهُ حَالَ الْفِعْلِ)، أَيْ: الْقِرَاءَةِ أَوْ الِاسْتِغْفَارِ وَنَحْوِهِ، (أَوْ) نَوَاهُ (قَبْلَهُ)، أَيْ: قَبْلَ الْفِعْلِ دُونَ مَا نَوَاهُ بَعْدَهُ، نَقَلَهُ فِي الْفُرُوعِ عَنْ مُفْرَدَاتِ ابْنِ عَقِيلٍ وَرَدَّهُ. (وَسُنَّ إهْدَاء الْقُرَبِ، فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ ثَوَابَ ذَلِكَ لِفُلَانٍ) وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ أَثَبْتَنِي عَلَى هَذَا؛ فَاجْعَلْهُ أَوْ مَا تَشَاءُ مِنْهُ لِفُلَانٍ، وَ(قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَالْأَوْلَى أَنْ يَسْأَلَ الْأَجْرَ مِنْ اللَّهِ) تَعَالَى، (ثُمَّ يَجْعَلَهُ) لِلْمُهْدَى (لَهُ، فَيَقُولَ: اللَّهُمَّ أَثِبْنِي عَلَى ذَلِكَ، وَاجْعَلْهُ ثَوَابًا لِفُلَانٍ) وَلِلْمُهْدِي ثَوَابُ الْمُهْدَى، وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: يُثَابُ كُلٌّ مِنْ الْمُهْدِي وَالْمُهْدَى لَهُ، وَفَضْلُ اللَّهِ وَاسِعٌ.

.(فَصْلٌ): [السَّلَامُ عَلَى الْمَيِّتِ]:

(السَّلَامُ عَلَى مَيِّتٍ، الْأَفْضَلُ تَعْرِيفُهُ كَمَا مَرَّ، وَيُخَيَّرُ فِيهِ)، أَيْ: السَّلَامِ (عَلَى حَيٍّ بَيْنَ تَعْرِيفٍ وَتَنْكِيرٍ. وَابْتِدَاؤُهُ)، أَيْ: السَّلَامِ (مِنْ وَاحِدٍ: سُنَّةُ عَيْنٍ، وَمِنْ جَمْعٍ) اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ: (سُنَّةُ كِفَايَةٍ)، لِحَدِيثِ «أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ». (وَيَتَّجِهُ: وَمَعَ سَلَامِ جَمْعٍ) وَقَعَ (تَعَاقُبًا) بِأَنْ سَلَّمَ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ (يَكْفِي رَدُّ وَاحِدٍ)، لِحُصُولِ (الْمَأْمُورِ بِهِ)، قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ: فَلَوْ سَلَّمَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ، فَقَالَ: وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ، وَقَصَدَ الرَّدَّ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا جَازَ، وَسَقَطَ الْفَرْضُ فِي حَقِّ الْجَمِيعِ (إنْ لَمْ يَكُنْ) الرَّادُّ (رَدَّ عَلَى) الْمُسَلِّمِ (الْأَوَّلِ)، فَإِنْ كَانَ رَدَّ عَلَيْهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ رَدِّهِ عَلَى الْبَاقِينَ إمَّا جُمْلَةً؛ بِأَنْ يَقُولَ: وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ، أَوْ فُرَادَى؛ بِأَنْ يَرُدَّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَةٍ. (وَمِثْلُهُ تَشْمِيتُ) عَاطِسٍ- أَيْ: لَوْ شَمَّتَ جَمَاعَةٌ عَاطِسًا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ- فَتَكْفِي إجَابَةُ وَاحِدٍ، فَيَسْقُطُ بِهَا الْفَرْضُ إنْ لَمْ يَكُنْ أَجَابَ الْأَوَّلَ حَيْثُ قَصَدَ الرَّدَّ عَلَى الْجَمِيعِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَالْأَفْضَلُ) إيقَاعُ (السَّلَامِ) مِنْ (جَمِيعِهِمْ)، لِحَدِيثِ «أَفْشُوا السَّلَامَ» وَغَيْرِهِ، (وَرَدُّهُ فَوْرًا مِنْ وَاحِدٍ فَرْضُ عَيْنٍ) عَلَى الْمُسَلَّمِ عَلَيْهِ الْمُنْفَرِدِ، (وَ) رَدُّ السَّلَامِ (مِنْ جَمِيعٍ) سَلَّمَ عَلَيْهِمْ (فَرْضُ كِفَايَةٍ)، فَيَسْقُطُ بِرَدِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، (وَرَفْعُ صَوْتٍ بِهِ)، أَيْ: بِرَدِّ السَّلَامِ (بِقَدْرِ الْإِبْلَاغِ)، أَيْ: إبْلَاغِ الْمُسَلِّمِ (وَاجِبٌ فِي رَدِّ) السَّلَامِ (وَمَنْدُوبٌ فِي ابْتِدَاءِ) هـ، (وَلَا يَسْقُطُ) إثْمُ عَدَمِ الرَّدِّ (بِرَدِّ غَيْرِ مُسَلَّمٍ عَلَيْهِ) وَلَوْ كَانَ فِي جَمَاعَةٍ، لِأَنَّ قَصْدَهُ بِالسَّلَامِ دُونَ غَيْرِهِ، (وَلَا) يَسْقُطُ الرَّدُّ (بِرَدِّ مُمَيِّزٍ عَنْ بَالِغِينَ)، لِعَدَمِ حُصُولِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ بِهِ، هَذَا مَعْنَى كَلَامِ أَبِي الْمَعَالِي فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ. (وَلَا يَجِبُ زِيَادَةُ وَاوٍ فِي رَدِّ) سَلَامٍ، قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى، وَهُوَ أَشْهَرُ وَأَصَحُّ، وَقَدَّمَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى (خِلَافًا لَهُ)، أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ حَيْثُ قَالَ: وَتُزَادُ الْوَاوُ فِي رَدِّ السَّلَامِ وُجُوبًا.
قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ: يُكْرَهُ الِانْحِنَاءُ فِي السَّلَامِ، (وَلَا) تَجِبُ (مُسَاوَاةُ رَدٍّ لِابْتِدَاءٍ)، فَلَوْ قَالَ الْمُسَلِّمُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، فَقَالَ الرَّادُّ: وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ؛ كَفَى (وَيَجُوزُ رَدٌّ بِلَفْظِ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ) فَقَطْ. (وَلَا يُسَنُّ زِيَادَةٌ) عَلَى: (وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ فِي ابْتِدَاءِ) السَّلَامِ، لِأَنَّ زِيَادَتَهَا مَنْدُوبَةٌ، كَمَا صَحَّتْ الْأَخْبَارُ، وَإِلَيْهَا انْتَهَى السَّلَامُ، (وَ) لَا فِي (رَدِّ) هـ، وَسَلَامُ النِّسَاءِ عَلَى النِّسَاءِ كَسَلَامِ الرِّجَالِ عَلَى الرِّجَالِ. (وَسُنَّ قَوْلُ) مُسَلِّمٍ: (السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، وَإِنْ كَانَ الْمُسَلَّمُ عَلَيْهِ) شَخْصًا (وَاحِدًا) ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، وَإِنْ قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ؛ أَجْزَأَ، (وَلَا يَلْزَمُ رَدُّ سَلَامٍ ابْتِدَاؤُهُ مَكْرُوهٌ كَمُسَلِّمٍ عَلَى مُشْتَغِلٍ بِنَحْوِ أَكْلٍ) وَشُرْبٍ، (وَقِتَالٍ وَذِكْرٍ، وَتَلْبِيَةٍ وَقِرَاءَةِ عِلْمٍ وَوَعْظٍ، وَأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَاسْتِمَاعٍ لَهُمْ)، أَيْ: الْمَذْكُورِينَ مِنْ الْقَارِئِ وَمَا بَعْدَهُ، (وَمُتَخَلٍّ وَمُتَمَتِّعٍ بِأَهْلِهِ، وَمَنْ فِي حَمَّامٍ وَأَجْنَبِيَّةٍ غَيْرِ عَجُوزٍ)، أَيْ: غَيْرِ جَمِيلَةٍ؛ فَلَا يُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَيْهَا، (وَ) لَا عَلَى (بَرْزَةٍ)، لِأَمْنِ الِافْتِتَانِ بِهَا غَالِبًا، وَكَذَا كُلُّ مَنْ سَلَّمَ فِي حَالَةٍ لَا يُسْتَحَبُّ فِيهَا السَّلَامُ لَمْ يَسْتَحِقَّ جَوَابًا، (وَكُرِهَ تَخْصِيصُ بَعْضِ مَنْ لَقِيَهُمْ) أَوْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ (بِهِ)، أَيْ: بِالسَّلَامِ، لِأَنَّ فِيهِ مُخَالَفَةً لِلسُّنَّةِ فِي إفْشَاءِ السَّلَامِ، وَكَسْرًا لِقَلْبِ مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ، (وَ) كُرِهَ (قَوْلُ: سَلَامُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ)، لِمُخَالَفَةِ الصِّفَةِ الْوَارِدَةِ. (وَمَنْ سَلَّمَ عَلَى إنْسَانٍ، ثُمَّ لَقِيَهُ عَلَى قُرْبٍ؛ سُنَّ سَلَامٌ عَلَيْهِ ثَانِيًا وَثَالِثًا وَأَكْثَرَ)، لِعُمُومِ: «أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ» (وَمَنْ دَخَلَ عَلَى جَمْعٍ فِيهِ عُلَمَاءُ سَلَّمَ عَلَى الْكُلِّ، ثُمَّ سَلَّمَ عَلَى الْعُلَمَاءِ سَلَامًا ثَانِيًا) تَمْيِيزًا لِمَرْتَبَتِهِمْ، وَكَذَا لَوْ كَانَ فِيهِمْ عَالِمٌ وَاحِدٌ. (وَتُسَنُّ بُدَاءَةٌ بِسَلَامٍ قَبْلَ كُلِّ كَلَامٍ) لِلْخَبَرِ، وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى السَّلَامِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ نَصُّ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد، وَمَعْنَاهُ: اسْمُ اللَّهِ عَلَيْكَ، أَيْ: أَنْتَ فِي حِفْظِهِ، كَمَا يُقَالُ: اللَّهُ يَصْحَبُكَ، اللَّهُ مَعَكَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: السَّلَامُ بِمَعْنَى السَّلَامَةِ، أَيْ: السَّلَامَةُ مُلَازِمَةٌ لَكَ (وَلَا يَتْرُكُهُ)- أَيْ: السَّلَامَ- (وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الْمُسَلَّمَ عَلَيْهِ لَا يَرُدُّ) السَّلَامَ كَالْجَبَابِرَةِ، لِعُمُومِ: «أَفْشُوا السَّلَامَ» (وَالْهَجْرُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ، وَهُوَ) هَجْرُ الْمُسْلِمِ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ هُوَ (تَرْكُ كَلَامٍ مَعَ مَنْ لَقِيَ لَا عَدَمُهُ)، أَيْ: لَا عَدَمُ اللُّقَى فَهَذَا (يَزُولُ بِالسَّلَامِ) لِأَنَّهُ سَبَبُ التَّحَابُبِ، لِلْخَبَرِ، فَيَقْطَعُ الْهَجْرَ، وَرُوِيَ مَرْفُوعًا: «السَّلَامُ يَقْطَعُ الْهِجْرَانَ». (وَسُنَّ سَلَامٌ عِنْدَ انْصِرَافٍ) عَنْ الْقَوْمِ، (وَعِنْدَ دُخُولِ بَيْتِهِ عَلَى أَهْلِهِ) لِلْخَبَرِ، (فَإِنْ دَخَلَ بَيْتًا) خَالِيًا، (أَوْ) دَخَلَ (مَسْجِدًا خَالِيًا قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ) لِلْخَبَرِ، (وَلَا بَأْسَ بِهِ). أَيْ: السَّلَامِ (عَلَى صِبْيَانٍ تَأْدِيبًا لَهُمْ) هَذَا مَعْنَى كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ. (وَلَا يَلْزَمُهُمْ رَدٌّ) لِحَدِيثِ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ» وَإِنْ سَلَّمَ عَلَى صَبِيٍّ وَبَالِغٍ؛ رَدَّ الْبَالِغُ، وَلَمْ يَكْفِ رَدُّ الصَّبِيِّ، لِأَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ لَا يَحْصُلُ بِهِ. (وَيَلْزَمُ) مَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ الصِّبْيَانُ (رَدُّ) السَّلَامِ (عَلَيْهِمْ)، لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ، (كَشَابَّةٍ أَجْنَبِيَّةٍ سَلَّمَتْ) عَلَى رَجُلٍ فَيَجِبُ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهَا، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَإِنْ سَلَّمَ الرَّجُلُ غَيْرُ الْمَحْرَمِ عَلَيْهَا؛ لَمْ يَلْزَمْهَا الرَّدُّ دَفْعًا لِلْمَفْسَدَةِ، (وَإِرْسَالُهَا)، أَيْ: الْأَجْنَبِيَّةِ (بِهِ)، أَيْ: بِالسَّلَامِ (لِأَجْنَبِيٍّ) لَا بَأْسَ بِهِ (وَإِرْسَالُهُ)، أَيْ: الْأَجْنَبِيِّ (إلَيْهَا) بِالسَّلَامِ (لَا بَأْسَ بِهِ لِمَصْلَحَةٍ، وَعَدَمِ مَحْذُورٍ)، أَيْ: لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ مَعَ عَدَمِ الْمَحْذُورِ، (وَحَيْثُ سَلَّمَ عَلَى غَائِبٍ) عَنْ الْبَلَدِ (بِرِسَالَةٍ أَوْ كِتَابَةٍ؛ وَجَبَتْ الْإِجَابَةُ عِنْدَ الْإِبْلَاغِ، وَنُدِبَتْ) الْإِجَابَةُ (عَلَى الرَّسُولِ فَيَقُولُ: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ)، لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَبِي يُقْرِئُكَ السَّلَامَ، فَقَالَ: عَلَيْكَ وَعَلَى أَبِيكَ السَّلَامُ» وَقِيلَ لِأَحْمَدَ: إنَّ فُلَانًا يُقْرِئُكَ السَّلَامَ، فَقَالَ: عَلَيْكَ وَعَلَيْهِ السَّلَامُ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَعَلَيْهِ السَّلَامُ. (وَجَبَ تَبْلِيغُهُ)، أَيْ: السَّلَامِ (عَلَى رَسُولٍ تَحَمَّلَهُ)، لِعُمُومِ الْأَمْرِ بِأَدَاءِ الْأَمَانَةِ، فَإِنْ لَمْ يَتَحَمَّلْهُ؛ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ التَّبْلِيغُ. (وَسُنَّ حِرْصُ مُتَلَاقِيَيْنِ عَلَى بُدَاءَةٍ بِسَلَامٍ)، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الْأَرْحَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ؛ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ» صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ. (فَإِنْ بَدَأَ كُلٌّ) مِنْ الْمُتَلَاقِيَيْنِ (صَاحِبَهُ مَعًا؛ وَجَبَ الرَّدُّ عَلَى كُلٍّ) مِنْهُمَا، لِعُمُومِ الْأَوَامِرِ بِرَدِّ السَّلَامِ. (وَسُنَّ لِمَنْ تَلَاقَوْا بِطَرِيقٍ أَنْ يُسَلِّمَ صَغِيرٌ وَقَلِيلٌ وَمَاشٍ وَرَاكِبٌ) كَذَلِكَ. (وَيَتَّجِهُ: وَ) يُسَلِّمُ (مُنْحَدِرٌ)- وَهُوَ مُتَّجِهٌ- (عَلَى ضِدِّهِمْ)، فَيُسَلِّمُ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ، وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ، وَالْمَاشِي عَلَى الْجَالِسِ، وَالرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي، وَالْمُنْحَدِرُ عَلَى الصَّاعِدِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ، وَالْمَارُّ عَلَى الْقَاعِدِ، وَالْكَثِيرُ عَلَى الْقَلِيلِ» وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: «يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي» رَوَاهمَا الْبُخَارِيُّ. فَإِنْ عَكَسَ، حَصَلَتْ السُّنَّةُ، (وَيُسَلِّمُ وَارِدٌ عَلَى ضِدِّهِ مُطْلَقًا) صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا، كَثِيرًا كَانَ أَوْ قَلِيلًا. (وَمَنْ سَلَّمَ أَوْ رَدَّ عَلَى أَصَمَّ جَمَعَ بَيْنَ لَفْظٍ وَإِشَارَةٍ)، فَإِنْ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَهُمَا مَنْ يُسَلِّمُ عَلَى الْأَصَمِّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ، (وَسَلَامُ أَخْرَسَ) بِالْإِشَارَةِ (وَجَوَابُهُ)، أَيْ: الْأَخْرَسِ (بِالْإِشَارَةِ)، لِقِيَامِهَا مَقَامَ نُطْقِهِ، وَقَالَ الْمَرُّوذِيُّ: إنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ لَمَّا اشْتَدَّ بِهِ الْمَرَضُ كَانَ رُبَّمَا أَذِنَ لِلنَّاسِ فَيَدْخُلُونَ عَلَيْهِ أَفْوَاجًا يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ، فَيَرُدُّ بِيَدِهِ. (وَمَنْ سَلَّمَ عَلَى أَيْقَاظٍ بَيْنَ نِيَامٍ)، أَوْ لَا يَعْلَمُ هَلْ هُمْ أَيْقَاظٌ أَوْ نِيَامٌ؟ (خَفَضَ صَوْتَهُ بِحَيْثُ يُسْمِعُهُمْ)، أَيْ: الْأَيْقَاظَ (وَلَا يُوقِظُهُمْ)، أَيْ: النِّيَامَ، جَمْعًا بَيْنَ الْمَصْلَحَتَيْنِ.